دور ميناء حيفا في حصار سوريا

دور ميناء حيفا في حصار سوريا

بالإضافة إلى الأبعاد والدوافع الأمريكية – الصهيونية – الرجعية والعثمانية الأطلسية، التي أطلقت عشرية الدم والنار ضد سوريا، ودورها وسيادتها ووحدتها، في سياق إعادة هيكلة المنطقة برمتها على شكل حدود وكانتونات وخرائط طائفية دامية، كما بالإضافة لتوصيات مؤتمر هرتزيليا الصهيوني الدوري السنوي، والحيثيات التي أوردها الأمريكي اليهودي، ساتلوف، أحد مهندسي الثورات الملونة، في دراسته “الطريق إلى دمشق” عام 2005 والتي ترجمتها الأصوليات التكفيرية والمرتزقة بدءا من عام 2011، فقد احتل ميناء حيفا مكانة هامة في الحسابات والاستهدافات الصهيونية ضد سوريا وحصارها، بل أن تفجير ميناء بيروت قد لا يكون بعيدا عن هذه الحسابات.

قبل الذهاب أكثر في تقصي ذلك لا بد من الإشارة إلى حرب الموانئ التي يشهدها البحر الأحمر ومحيطه الآسيوي والإفريقي ومنها حرب الموانئ بين شركة دبي وقطر والدخول المُتشابِك للصين وكذلك لباكستان والهند، فثمة حرب أخرى للموانئ والطُرُق التجارية تتجاهل الجغرافيا السورية على نحوٍ خاص، حرب تجعل من هذا التجاهُل عنواناً أميركياً لجولةٍ أخرى مما تعرَّضت له سوريا من تحالفٍ أميركي-أطلسي– صهيوني-عثماني لم يتورَّع عن صناعة الإرهاب الأصولي من أجل هذه الغاية.

إلى ذلك، فإن أبرز طُرُق التجارة ذات الصِلة بصراعات ونزاعات الشرق الأوسط، والمُحمَّلة بدلالات هذه الصراعات والنزاعات وهي:

  • طريق التجارة والنفط عبر مضيق هرمز حيث القوَّة الإيرانية.
  • طريق التجارة والنفط عبر تركيا
  • طريق التجارة والنفط عبر ميناء العقبة مروراً بالسويس.
  • طريق التجارة والنفط عبر الأراضي والموانئ السورية أو عبر الأراضي السورية إلى الموانئ اللبنانية.

ومن المؤكَّد أن إقصاء الطريق السوري الأسهل والأقل كلفة على التجارة الدولية كان القرار الذي استحوذ على أكثر من تقاطع للتيارات الأميركية في أكثر من بلد.

وبهذا المعنى، فإن هناك مَن لا يُريد للحرب على سوريا أن تتوقَّف ولابدَّ من استمرارها بأشكالٍ أخرى منها الحصار الاقتصادي، وفي الحقيقة فإن هذا الشكل من الحرب ليس جديداً على سوريا، فدونه تاريخ قريب وبعيد، وبمشاركة أطلسية وصهيونية وعربية أيضاً:

  • بالنظر إلى دور حلب التاريخي جرى سلبها وسلب سوريا معها ميناء الإسكندرون، وإلحاقه بتركيا بقرارٍ من الاستعمار الفرنسي عشيّة الحرب العالمية الثانية.
  • أيضاً وخلال ما يُعرَف بفترة الانتداب الفرنسي على سوريا والسيطرة البريطانية على العراق جرى تجاهُل الأراضي السورية عند مدّ خط أنابيب النفط العراقي غرباً وصار معروفاً بخط أنابيب كركوك – حيفا.
  • بعد معركة الجلاء واستقلال سوريا عن الاستعمار الفرنسي، سعى عملاء فرنسا في بعض الأوساط البرجوازية البيروتية إلى الضغط على البرجوازية الشامية – الحلبية والاقتصاد السوري عموماً عبر إجراءات مُجحِفة في ميناء بيروت، ما حدا بمُمثّلي البرجوازية السورية الوطنية، وممثلها خالد العظم رئيس الوزراء السوري آنذاك لتطوير ميناء اللاذقية.
  • ضرب وقَطْع خطوط النفط الدولية المارّة في الأراضي السورية (الجولان) مرتين 1948 و1967.

من تداعيات الصفقة التي وقَّعها العراق مع شاه إيران وتنازل بموجبها عن شطّ العرب مقابل وقف دعم استخبارات الشاه للبرزاني، استبدال الأراضي السورية لمرور النفط العراقي بالأراضي التركية، حيث نالت تركيا منذ ذلك الوقت وحتى الآن في اتفاقياتٍ سرّيةٍ ومُعلَنة حق دخول الأراضي العراقية في أيّ وقتٍ لمُطاردة مُقاتلي حزب العمال الكردستاني (الناشِط في تركيا). كما فضَّلت بغداد دوماً ميناء العقبة على الموانئ السورية وساهمت في بناء طُرُقٍ دولية بين البلدين لهذه الغاية.

بالعودة إلى ميناء حيفا ودوره في حصار سوريا، فإذا كانت معركة الحدود العراقية السورية قد اكتسبت أهمية كُبرى في تواصل معسكر مراكز وقوى المُمانعة، وفسرت ولا تزال الاحتلال الأميركي لنقاط أساسية على هذه الحدود ودعمها لمجاميع إرهابية متنوّعة من داعش إلى ما يُسمّى بالصحوات العشائرية والفصائل الكردية المسلحة، فإن الحدود الجنوبية لسوريا تكتسب أهمية مُماثلة، بالنظر أيضاً إلى محاولات العدو الصهيوني إغلاق هذه الحدود من أجل ربط المنطقة وأسواقها بميناء حيفا كممرٍ إجباري للتجارة الدولية.

هكذا نفهم الإصرار السوري على تحرير هذه المنطقة ومواصلة المعركة مع العدو بكل الطُرق، وهكذا نفهم التحذيرات والتهديدات الأميركية وأدواتها.

وهكذا نفهم أيضا أطلاق العدو أكثر من مرة سيناريوهات مشبوهة لفصل درعا وإقامة جيب عميل فيها باسم (المناطق الإنسانية) وغيرها..

ومن أهم تداعيات ذلك، بَعْث الحياة في خط كركوك – حيفا – وفي توطين قسم من اللاجئين الفلسطينيين في صحراء الأنبار.

فيما يخصّ ميناء حيفا تحديداً، فهو شديد الصلة باستهداف سوريا والعراق، ومصر كما سنرى، ولبنان بالمُحصّلة، فاستنزاف هذه البلدان يؤدّي أو يُراد له أن يقطع الطريق على أي نهوض لها ولموانئها، وتحويل طُرق التجارة الدولية، ذهاباً وإياباً وبحيث يصبح هذا الميناء بؤرة التجارة والمواصلات العالمية في المنطقة ومنها الخليج وتركيا.

وليس بلا معنى أن يشمل مشروع (نيوم) ساحل الحجاز كاملاً ووادي السلام المنصوص عليه في معاهدة وادي عربة، والذي يُراد له (صهيونياً) أن يمتد إلى حوض اليرموك السوري – الأردني.

ويُشار هنا إلى أن التحضيرات اللوجستية لمشروع حيفا، بدأت في أعقاب معاهدة وادي عربة واتفاقية أوسلو، وجرت مناقشتها في قمّة دافوس – البحر الميت، والقمم الاقتصادية التي عُقِدت في عمّان والدار البيضاء، وأخذت شكل الدعوة لتوفير بنى تحتية على مستوى الاقليم وفق اقتراحات شمعون بيريز في كتابه (الشرق الأوسط الجديد).

فبالإضافة إلى اقتراحاته لتأسيس بنك استثمار اقليمي، ومجال أمن اقليمي، ومجلس تعاون اقتصادي اقليمي، ركّز بيريز على إطلاق شبكة واسعة أفقياً وعمودياً من شبكات سكة الحديد، تنتهي كلها في ميناء حيفا.

ومن المُفارقات اللافتة للانتباه، أنه باستثناء صوت الأمين العام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله عندما هدَّد العدو بضرب قلبه الاقتصادي، ميناء حيفا، فإن قطاعات واسعة من البرجوازيات في البلدان العربية ذات الصلة، لم تنتبه بل تواطأت مع أطراف المؤامرة على سوريا، والتي استهدفت فيما استهدفت ضرب الجغرافيا السياسية، كطريق تجاري ونفطي إلى موانئ المتوسّط.

د. موفق محادين